هكذا الفلسفة

نعم إن الفلسفة لا تقل أهمية عن أي علم آخر و قد تفوق أهميتها جميع العلوم ، لقد كانت تسمى أم العلوم حيث أن منها نبعت ومن ثم انفصلت واستقلت … الفلسفة لا تقل أهمية عن الطب ، وكما أن الطب يعالج الأجساد ويخلص الناس من الأمراض ويداوي الجروح فإن الفلسفة تخلص الناس من أوهام الجهل وتداوي مرض العقول بل وتساعد على تنمية الفكر وهي تدعو إلى إعمال الفكر حتى لا يقع الإنسان في المحظور … إذا كان الطب يساعد على إنقاذ الأرواح عند التعرض للحوادث وخاصة الناتجة عن السرعة والاستهتار والرعونة فإن الفلسفة تمنع الإنسان من الوقوع في مثل هذه الحوادث ، وإذا كان الطب علاج فإن الفلسفة وقاية وكما هو متعارف عليه إن الوقاية خير من العلاج …
الفلسفة تعلمنا الالتزام بالقانون والشرع والضمير وترشدنا إلى طريق الحرية تلك الحرية التي تنادي بالدفاع عن حقوق الإنسان وتطالب بعدم المساس أو الاعتداء على حريات الآخرين … مثلها الفلسفة كمثل إشارة المرور الضوئية تقيد حرية البعض بالضوء الأحمر وبنفس الآن والوقت تمنح قدرا أكبر من الحرية لعدد أكبر وأكثر من الآخرين بالضوء الأخضر .. ومتى ما التزم الإنسان كفرد بحدوده فإنه تلقائيا لن يفكر ولن يكون قادرا على المساس أو الاعتداء على حريات الآخرين … نعم .. هذه دعوة الفلسفة ، الفلسفة تخبرنا بضرورة ووجوب النظر في الموضوع أيا كان من جميع الجوانب والزوايا والأركان ، نظرة موضوعية علمية منطقية .. ومتى ما تمعن الإنسان في الجوانب والمعطيات كلها فإن حكمه غالبا إن لم يكن دائما صائبا وصوابا وحقا .. فعواطفه لوحدها ليست حكما ومادام الخير والحق والجمال نصب العين فإن الإنسان كذات وفرد سيسلك طريق البحث العلمي حتى لا يصدر حكما مسبقا .. عليه أن يربط بين المعطيات والمداخل معا ويجمع ما بالعقل والقلب دون أن يجعل لأي منهما غلبة …
الفلسفة لا يوجد فيها ما يتعارض مع الدين وخاصة الإسلام وما ذكره الفلاسفة لا يخرج من طبيعة القرآن ولا يخالف الشرع وهي لا تدعو إلى كفر أو إلحاد بل على النقيض تدعو إلى الفكر والإيمان والتمعن وتقديم الدليل والبرهان …
الفلسفة سلاح ذو حدين ووجود مخطئ في مفهومه للفلسفة أو في تسخيرها لخدمة مصالحه الخاصة لا يعني النقص بالفلسفة أو شذوذها أو خروجها من إطارها الفعلي الحقيقي ، وكما السكينة مثلا صنعت أو ابتكرت أو ابتدعت لاستخدامها في تقطيع الفواكه وما شابه ذلك من أعمال وإن استخدمها فرد ما في جريمة أو في سوء فهذا لا يعني الخلل أو الإشكال بالأداة ” السكينة ” بل بمن استخدمها وسخرها لخدمته بغض النظر عن الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه ، وهكذا الفلسفة إن سخرت لفكرة ما فهذا لا يعني الخلل فيها بل بمن يستخدمها ويحورها كما يريد ويشتهي …
الفلسفة إن طبقت بمنطقها السوي فهي تؤدي إلى الصلاح في الحال وتدعو إلى الفلاح في المآل .. أقوال وآراء نسبت إلى فلاسفة ونالوا شهرة بذلك فنحت التاريخ أسمائهم في السجلات وهم لم يعبروا عن أفكار خاصة بهم حيث أن غالبية الآراء مقتبسة من الأديان السماوية ولم يأتوا بشيء جديد ليس له ذكر برسالة سماوية … أو بالقرآن الكريم على وجه خاص … وعلى سبيل المثال ما يسمى بالكوجيتو الديكارتي .. الذي ارتبط بالفيلسوف الفرنسي ” ديكارت بمقولته ” أنا أشك ، أنا أفكر إذا أنا موجود ” هذه المقولة لم تظهر من العدم فقد تمثلت قبله عند النبي ” إبراهيم ” عليه السلام في حواره وتساؤله عندما رأى كوكبا وقال أنه ربه ثم رؤيته للنجم والقمر ومن بعدهم الشمس … فقد ابتدأ بالشك وهو مؤمن بالله ثم انتقل إلى التفكير سعيا للوصول إلى نتيجة وقال ” لئن لم يهدني ربي ” و ” ني ” في يهدني ما هي إلا إشارة إلى الذات الإنسانية ، ومن ثم ارتبط بالله وهو قد بدأ مرتبطا به … من الشك مرورا بالتفكير إلى إثبات الذات .. والآية صريحة بذلك وبها فلسفة عظيمة لم تدعو إلى كفر بل توجه الإنسان إلى الاستدلال وتطلب منه التساؤل وهذا هو مفهوم من مفاهيم الفلسفة … وكذلك أيضا عندما تتناول الفلسفة مصادر المعرفة وأدواتها فترجعها بمدارسها واتجاهاتها إلى العقل كفطرة والحس كتجربة والحدس ارتباطا بالقلب كمشاعر أو إشارات أ إيحاءات ، فقد جاء القرآن على ذكر ذلك أيضا بلسان ” إبراهيم ” عليه السلام عندمـا تساءل ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) ” البقرة 260″ طلب الرؤية مرتبط بالحواس والتجربة ، والإيمان نابع من العقل ومرتبط به مفطورا عليه واطمئنان القلب هو ما يشير إلى الحدس ويدخله كمصدر أو جزء من مصادر وأدوات المعرفة ..
القرآن صالح لكل زمان ومكان والفلسفة لم تخرج من نطاق الدين من بداية الخلق بل سخرت الفلسفة لخدمة الدين على مر العصور التي مرت بها الإنسانية ….
الفلسفة تدعو إلى التفكير والكثير من الآيات القرآنية تدعو إلى إعمال الفكر والتدبر والتدبير وليس هناك داع لذكر شواهد على هذا ويكفي أن في كل كلمة ولفظ من القرآن دعوة صريحة وآية بينة تدعو إلى التفكير ….
الفلسفة فيها قصور نعم وليس عيبا في هذا وما على الإنسان الفرد إلا أن يسعى لعلاج القصور وتسخير كل ما يمكنه لخدمة الدين ….
لماذا توجه الأنظار إلى جوانب القصور دائما .. ا؟لإنسان ضعيف وقد يكون ضعفه سببا في هذا محاولا إخفاء ضعفه بالهجوم أو جهله وهذا قد يكون الواقع الفعلي .. ما الإنسان إلا لنفسه ظلوم وعلى نفسه وبما يدور حوله جهول …
الفلسفة علم نعم … لها موضوع يرتبط بالإنسان وفكره ولها منهج تسير على نور خطواته بل إن مناهج البحث العلمي جزء منها ، ولها قوانين ونتائج واستنتاجات لا تقل عن بقية العلوم في شيء .. والفلسفة هي العلم الوحيد الذي يتناول التفكير الإنساني ويختص به ويسعى لتنميته ..
الفلسفة تدعو إلى الإيمان ولا تدعو إلى غير ذلك وإذا كان هناك من يدعي بأن الفلسفة كفر أو أنها تدعو إلى الإلحاد فليقدم براهينه ودلائله .. ” وفي أنفسكم أفلا تنظرون ”
لكل إنسان فلسفة والإنسان فيلسوف بطبعه والفلسفة مرتبط بالشريعة بل وأختها الرضيعة .. الفلسفة رسالة تدعو إلى التمسك بالإيمان والمبادئ الإسلامية الشرعية .. الفلسفة منطق يدعو إلى التأمل في عجيب خلق الله تعالى .. الفلسفة دعوة إلى التمعن في روائع إبداع الله تعالى .. الفلسفة بدأت بأول كلمة بالقرآن الكريم الفلسفة بزغت من ” اقرأ ” ذلك الأمر الإلهي الذي دعى الرسول صلى الله عليه وسلم إلـى ” التأمل ، التفكير ، التدبر ، التمعن والإيمان … نعم كل ما سبق فيما بين القوسين نابع من اقرأ . ..
فلنقرأ نحن أيضا قبل أن نصدر حكما ……….

أضف تعليق