الجودة في التعليم

يتساءل الكثير عن مفهوم الجودة ، والكثير يبحث عن ما يسمى بالجودة ، والكثير يطالب بتحقيق الجودة ، والكثير يتحدث ويكتب عن الجودة ، والكثير لا يعرف معنى الجودة ، وما تلك الكثرة والكثرات إلا قلة ….
الجودة بالمعنى الواسع لها ما هي إلا عبارة صغيرة قصيرة ولكنها تحمل في طياتها وفيما بين أحرف ألفاظها متطلبات ومعاني وتفسيرات تحتاج إلى أداء من الواجب القيام به ، والعبارة هي “انجاز العمل وإتمامه على أكمل وجه وأفضل صورة ممكنة بأقل جهد مبذول وأقصر فترة زمنية بأقل تكلفة ” ويضاف أحياناً إلى ذلك كإكمال ” والخروج بأدنى ما يمكن من الخسائر ”
إني على ثقة بأن الكثير والكثير وليست هذه الكثرة هنا بالقلة تدرك وتعلم وتعي مفهوم الجودة وثقتي هنا مبنية على يقيني ، ومع هذا سأقدم مجموعة من التساؤلات وأنا مؤمن بأن الإجابة عليها جودة وتحقق الجودة وتفسر الجودة وقد تختص في مجال التعليم إلا أنها متى ما حورت بناء على شخصية السائل والمسئول وموقعه الاجتماعي فإنها ستؤدي إلى نفس الغرض …..
إن الإجابات بصدق ونية صافية خيرة طيبة هي الجودة التي قد يكون افتقدها البعض ، وتركيزي هنا على البعض لعلمي بأن الغالبية تعرف الإجابات ، فهنيئاً لكم المدى والمستوى الذي أنتم فيه وعليه من الجودة …. لكم مني تساؤلاتي :
• كيف لنا أن نقنع المتعلمين بالامتناع عن فعل ما هو سلوك خاطئ أياً كان وذلك ليس خوفا من العقاب بل إيماناً ؟
• كيف يمكن لنا أن نزرع التواضع والاحترام والاعتدال بالوسطية في قلوب وعقول المتعلمين ؟
• كيف يمكن أن يهمس المعلم بحيث يجعل همسه مسموعاً في كافة أركان وأنحاء ومحيط الفصل ؟
• كيف يمكن أن نجعل الخطوات الأولى لعملية التعارف بين المعلم والمتعلم سهلة وبسيطة وسريعة باعتدال وتعقل ومنطقية ؟
• كيف يمكن التحكم بسلوك المتعلمين عندما يشعرون بالإحباط أو العجز أو الغضب أو حتى ما شابه ذلك من حالات انفعالية دون الإساءة إليهم ؟
• كيف يمكن منح المتعلمين الفرصة والوقت لكي يعبروا عما يجول بداخلهم وهم تحت ضغط المواد العلمية ؟
• كيف يمكن معالجة السلوكيات غير المرغوب بها والصادرة من المتعلمين إذا كان المعلم تحت وطأة حالة مزاجية غير مستقرة ؟
• كيف يمكن إثراء معارف المتعلمين وتنمية إحساسهم بالاستقلال داخل حدود الفصل الدراسي ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يبرهن للمتعلمين اهتمامه بآرائهم وأفكارهم ؟
• كيف يمكن كسر حالة الملل التي قد يشعر بها المتعلمين نتيجة للحديث الطويل من طرف المعلم ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يبرهن تمكنه من المادة العلمية وقدرته على تبسيطها وعرضها بما يتناسب مع قدرات وإمكانيات المتعلمين ؟
• كيف يمكن تنمية مهارة الإنصات والإصغاء والاستماع لدى المتعلمين ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يبرهن على اهتمامه بالمتعلمين من خلال الإيماءات والإيحاءات ؟
• كيف يمكن تنمية مهارات التفكير والبحث العلمي لدى المتعلمين ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يغرز ويحيي مهارة الفضول وحب الاستطلاع في المتعلمين ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يدلل للمتعلم على أن الاستيعاب الأعمى للمواد والمعلومات وحفظها دون فهما لا ينتج عنه ذكاء أو علم ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يكون مبدعاً متميزاً في الفصل الدراسي دائماً ؟
• كيف يثبت المعلم للمتعلم أن أفضل وقت للدراسة وطلب العلم والاستذكار هو الآن ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يعين المتعلم لكي يكون باحثاَ مبحراً في بحار العلم مستخدماً كافة إمكانياته ومسخراً كل قدراته في سبيل تحقيق مستويات عليا من النجاح والتفوق ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يرسل المعلومات والأفكار والحقائق والآراء إلى المتعلمين كمادة أولية خام ليستعيدها منهم كمواد مصنعة ؟
• كيف يمكن إثارة الخلايا العصبية لدى المتعلمين حتى تتحرك وفق أطر ثابتة مرنة تعمل لصالحهم ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يعين المتعلمين إذا ما واجهوا صعوبات في إيجاد إجابات للأسئلة التي يتلقونها ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يناقش ويحاور المتعلمين بأفكارهم وآرائهم وأحلامهم واطروحاتهم التي هم بحاجة إلى التعبير عنها ؟
• لماذا لا يحرز المتعلم تقدماً في مستواه العلمي وتحصيله الدراسي إن كان يمتلك القدرة ولديه الإمكانيات ويحسن استغلال الوقت وإدارته ؟
• كيف يمكن تنمية مهارات القيادة في المتعلمين ؟
• كيف يمكن للمعلم أن يقوم بتوصيل المنهج الخفي إلى المتعلمين بنفس الوقت الذي يرسل لهم المعلومات من المقرر الدراسي ؟

وأخيراً … من المعروف والمتعارف عليه أن من أهم الأسس التي تعتمد عليها التربية الحديثة والتدريس والتعليم تكمن في القدرة على النظر إلى ما وراء السلوك الذي يقوم به المتعلم أياً كان هذا السلوك ، حيث أنه من الواجب تحديد الأسباب التي تؤدي إلى ذلك السلوك … فكيف للمعلم أن يحدد ويعين الأسباب ؟
إن كنت ولي أمر فأنت معلم وأبنائك متعلمين ، وإن كنت طبيباً فمرضاك هم المتعلمين وهلم جراً بالقياس على هذا المنوال ….
لكم مني خالص شكري واحترامي ……

فلاسفة

يحكى ويروى أن الفلسفة قد توقفت وانتهت برحيل آخر الفلاسفة ، كما يقول البعض ” سارتر ” ” أو رسل ” … وهناك من يبصم بأن ” هيجل ” آخر الفلاسفة وهناك وهناك وهناك من يقول ومن يدعي ، وهذا مهم ولكن هناك ما هو أهم …..
ما زالت الفلسفة بكل أرجاء العالم تتناول ما تم عرضه من قبل الفلاسفة الأوائل من أفكار وآراء وأقوال وأفعال حول المعرفة والوجود والقيم والألفاظ والحدود وما شابه ذلك سواء باليونان كمنبع للفلسفة أو غيرها من الأقطار كما يتناول ذلك التاريخ …..
ظهرت فلسفات في كل مجتمعات العالم وتناولت الدراسات الكثير من المفكرين ممن كانت لهم آثار وبصمات على مجتمعاتهم وما كانت أفكارهم وأطروحاتهم إلا تعبير عن فلسفتهم وما الفلسفة إلا بحث عن المعرفة والعلم من خلال التساؤل المنطقي البناء …..
لسنا هنا لذكر أسماء الفلاسفة الذين ما زالت أسمائهم مدونة في سجلات الكتب والمراجع والموسوعات حيث نعجز عن ذكرهم كلهم لكثرة عددهم وتعدادهم … ولكن جل ما نرغب به هو ذكر فلاسفة لم يتطرق المؤلفين في مؤلفاتهم إليهم … فلاسفة أخطأ التاريخ في معرفة الطريق إليهم وأخطأ باحثون في الوصول إليهم وأخطأ بعض البشر في إدراك طريقهم ….
هيا معاً نتذكر ونذكر بعض الأسماء وإن كنا غير قادرين على تذكر الكثير إلا أن سعينا بما هو بإمكاننا ، وكل ما نرجوه هو أن يسعى التاريخ لتأريخ أفكارهم وآرائهم ……
أحياء كانوا فنسأل الرحمن أن يمد في أعمارهم بالخير والعفو والعافية ، أموات كانوا فنسأل الرحمن لهم الرحمة …
د. فؤاد زكريا ، أبو الفلسفة العربية كم هي مؤلفاته وآرائه وكم هي المترجمات التي خرجت من تحت خط قلمه بيديه …
د. عزمي إسلام ، صاحب البصمات الواضحة في مؤلفاته ومنطقيته الرائعة ….
د. عبدالهادي أبو ريدة ، متقن اللغات ، عبقري في زمن كانت العبقرية فيه مندثرة ومتدثرة برداء الغموض الفكري ..
د. جورج طعمة ، ذلك السياسي المحنك الذي افتقدته الفلسفة السياسية بما كان يملكه من حلم وعلم ….
د. إمام عبدالفتاح ، المفكر الذي لم تمنحه الفلسفة حق قدره فضاعت ترجماته وأفكاره وآراؤه في متاهات الحياة ..
د. عبدالرحمن بدوي ، وإن خالفناه في بعض مواقفه التي تحسب عليه إلا أنه ترك إرثاً ليس بالهين في مجال الفلسفة …
د. أحمد الربعي ، الأستاذ الذي قدم أطروحات فلسفية بأثواب جديدة لينة مرنة لم تتعارف عليها الاتجاهات الفلسفية …
د. شفيقة بستكي ، التي لم تقف حيث وقف الكثير ، ما زالت بحمد الله وشكره تساهم وتقدم ميتافيزيقيا يعجز الفكر عن متابعته ووصفه ….
أسماء كثيرة ما زالت حتى الآن تحوم في سماء الفلسفة تطير بأجنحة من العلم والمعرفة تسعى لإبقاء الفكر العربي مشتعلاً متوهجاً متأججاً مؤثراً مثيراً في دنيا طغت التكنولوجيا الحديثة على كل أمر فيها حيث غدا وأصبح وأمسى الفكر الإنساني عاجزاً عن إيجاد واكتشاف نتيجة جمع الواحد والواحد ….
الفلسفة لم تقف ولن تقف ولم تنته ولم ينقطع خيط الوصال والتواصل بينها وبين العلم والدين والحياة … الفلسفة في كل زمان ومكان ….
الفلسفة تساؤل وبحث عن العلم والمعرفة … الفلسفة فضول إيجابي فعال … الفلسفة رأي ومنطق وموضوعية … كم من فلاسفة غفل التاريخ عنهم لا لشيء إلا لأنهم لم يكشفوا عن أنفسهم ….
قد يخالفني البعض بأن من تم ذكرهم هم مفكرين وليسوا بفلاسفة ومع هذا فقولي بفلسفيتهم نابع عن إيماني بأن الفلسفة فكر ورأي ، وبما أنهم أصحاب فكر ورأي فهم فلاسفة ، وبما أن الفلسفة باقية فأنا أقر بأني فيلسوف ، وإن كان لأحد اعتراض أو وجهة نظر أخرى فأنا أتشرف بمصافحته والأخذ برأيه ………….

مفقودات

رسمت لنفسي خط سير سعياً وبحثاً عن الأمور التي يفتقدها الناس أثناء حياتهم على متن هذا الكون مترامي الأبعاد …. شعرت بالتعب والضيق والملل والكآبة والحزن حتى ملئت الآهات قلبي وعقلي ، وعلى ذلك بدأت أعاني من هشاشة في عظام جسدي نهياً عن الكثير من الأمراض والعلل التي أصابت كل جزء مني ككائن حي وما ذلك إلا نتيجة لما عثرت عليه ووجدته من مفقودات …. لملمت ولممت المفقودات وجمعتها معاً ثم جلست مع نفسي أفرز بينها حتى أعيدها إلى أصحابها فوجدت أنها كلها تتشابه وتتساوى في قيمتها ، وما افتقدها الناس إلا لتنازلهم عن مبدأ واحد لو كانوا تمسكوا به لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه ، ومع هذا فما زال بإمكان الجميع أن يسترجعوا ما فقدوه إذا ما آمنوا بضرورة هذا المبدأ وأهميته …
المبدأ ما هو ” الطفولة بالمعنى الواسع لها ” تلك الطفولة التي إن تمسك الإنسان الفرد بها لوصل إلى أعلى درجات الرقي الأخلاقي والإنساني … تلك الطفولة التي تحمل في طياتها طبيعة الإنسان الفعلية ، تلك الطبيعة التي نفخ فيها الرحمن تعالى من روحه …
ما هي هذه الطفولة ؟؟؟ وكيف لنا أن نحياها ونحن في أعمار مختلفة وأجناس متعددة ؟؟؟؟
إن الطفولة براءة يمكن تعلم الكثير من الأشياء والأمور ومنها على سبيل المثال، الرغبة بالحياة ، الفضول الإيجابي ، تكرار المحاولات ، الحب ، اللعب ، الابتسام ، العطف ، الحنان ، الضحك ، التلقائية ، العفوية ، تقبل الأحوال والظروف ، التكيف مع المحيط ، الثقة ، الإصرار والعزيمة إضافة إلى النية الصادقة الصافية وغير ذلك الكثير والكثير ، فلنتعلم من الطفولة بعض من تلك الأحوال والمشاعر … وبالإضافة إلى ذلك فالأطفال يمتلكون قدرات نفسية وانفعالية عالية ومرتفعة جداً تمكنهم من الاستمتاع بأوقاتهم ، فيتحركون بحرية ويضحكون ولا يحتاجون في ذلك إلى ما يضحكهم بالفعل ، فضحكهم واستمتاعهم لشعورهم بذلك فقط لا أكثر ….
الأطفال مبتهجون فلا ينشغلون ولا يشغلون الفكر في كل شيء ولا يحللون ما يدور حولهم إلا ما يتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم ، وما يشغل تفكيرهم هو أن يعيشوا اللحظة التي هم بها الآن بأفضل ما يمكنهم ….
الأطفال يشعرون بالمتعة التامة والكاملة لما يقومون به ، ويستغرقون بكافة حواسهم فيما يرونه فيفرحون به مهما كان صغيراً أو كبيراً ومجرد رؤيتهم لشيء ما أياً كان يكون لهم مصدر سعادة وضحك وابتسام وسرور حيث كل أمر لهم فيه تجربة …..
الأطفال يقبلون على بعض المجازفات التي قد لا تتناسب في كثير من الأحيان مع قدراتهم وطاقاتهم ومع هذا يقومون بتلك المجازفات لمجرد إشباع رغباتهم الفضولية في المعرفة ….
الأطفال يتقبلون ويتحملون ما يدور حولهم وعليهم ، ولا يحملون في قلوبهم أي ضغينة أو تحيز أو إجحاف أو استهزاء أو حسد أو حقد للآخرين ، وإن كان لديهم تحامل على أحد فهو لحظي آني ينتهي بإنتهاء الموقف ولا يحمله الطفل معه فيما بعد تلك اللحظة لأنه يرغب بأن يحيا لحظاته التالية بسعادة ….
الأطفال لا يفكرون بالأمور والأحوال السياسية ولا بالخلافات الاجتماعية ولا بالفوارق الثقافية فلا يعيرون اهتمامهم للأغنياء أو الفقراء فيحبون لمجرد الحب ويتقربون لمجرد الاقتراب ويلعبون لأجل اللعب ويضحكون للضحك فقط ….
الأطفال لا يبالون بنوع الطعام والملبس والمشرب سواء لهم أو لغيرهم فيأكلون ويشربون ويلبسون دون أن يكون لذلك أي اعتبار أو اهتمام لديهم أو حتى تأثيراً عليهم …
الأطفال يتقبلون الآخرين دون أن ينظروا إلى أشكالهم أو ألوانهم أو أنسابهم أو حتى انتظار مردود منهم … إنهم يمتلكون قدرة عالية وفائقة على الصبر والتحمل فيسعون للتكيف بأسرع ما يمكنهم مع ما يحيط بهم ، ولهم إصرار وتمسك عجيب فيما يرغبون به حيث لا يستسلمون بسهولة …
يعجز القلم عن الاستمرار في ذكر محاسن وأفضال الطفل والطفولة ، فلنتعلم منهم ولنرجع إلى طفولتنا التي فقدناها وفقداننا لها هي السبب في حصول وحدوث الكثير من الأمور والأشياء التي تضعف إنسانيتنا ….
لقد خلقنا الرحمن عز وجل في أحسن تقويم ومن الواجب علينا حمده وشكره على ذلك ، فلنتمسك بما يثبت ذلك …….
والحمد لله رب العالمين ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،